السبت، 16 أغسطس 2014

طلب إعادة طفولة

كنت قد جلست مع أحد الأصدقاء وقد أتت بغير صدفة قصة طفولتنا بسوريا والحنين إلى الوطن والمشاعر الجياشة التي لم تنتهي منذ كبرنا , فتذكرنا أيام براءة الطفولة وبساطتها ومرحها حيث أننا من جيل (نام بكير وفيئ بكير وشوف الصحة كيف بتصير) ، ومن جيل (أنو أبي أقوى وأغنى وأذكى واحد بالحارة) وجيل (ناكل بالخبز مو حاف ، ونشيل الخبزة من على الأرض نبوسها ونحطها على طرف الحيط).

لقد كنا آخر جيل الزمن الجميل . الجيل الذي عاش ببيت كان مازال الأب هو رمز مقدس حيث لا طعام بدون حضوره  ولا سهر بوجوده  ولا صوت مرتفع أثناء قيلولته , و الأم هي رمز الحنان والمحبة فلا يوجد عمل يخرج عن المألوف إلا بمعرفتها ولا واسطة عند الأب إلا بفضلها ولا نجاة من عقاب إلا بمسامحتها , لا أقصد البتة أن هاذين الرمزين قد قلً شأنهما الآن ولكني لا أراهن على الزمن القادم.

كنا قد عشنا ببيئة أسميها (العائلة الكبيرة) حيث الجار هو العم الكبير المقَدر والجارة هي الخالة التي يجب احترامها ، أخذناها عهوداً على أنفسنا من يوم كنا صغاراً نحبوا ، كل مسن كبير تحلى بالشيب هو (جدو) وكل رجل عريض المنكبين بشارب غزير هو (عمو) ، حتى الغريب لا نعرف اسمه هو (يا عم) وكل عجوز نساعدها بحمل أكياس تسوقها هي (يا أم) كبرنا وكبر احترامنا معنا فأصبحنا نعيش بحارة العائلة الواحدة حيث الصحن (السكبة ) بشهر رمضان يكون زائراً على كل بيت والرجل يقف على الباب لعزيمة أي شخص لفنجان قهوة  أو لكأس شاي أو لوجبة غداء -لا يهم- فكلمة (تفضل ) هي الكلمة المكررة لأي شخص قد تعرفه وألقى السلام عليك أم لم يلقه.

أما رفقة الحي هم هؤلاء الصبية الذين إذ كانت الحرب دائرة بينكم اليوم فغداً سيكون الوئام سيد الموقف فلن تعرف من بدأ بالنزاع ولن تعرف من همً بالتصالح  بلا ضغينة ولا كره ، أولاد يأخذون ألعاب الشارع كموضة يتموضون بها فاليوم (دحل ، دمع ، غلال....) وغداً (صياح ، بلبل ،  ...) وبعد غد قطعة من الطبشور ترسم على الأرض خطوط متقاطعة مع قطعة حجر ملقاة تختار حظ من يقفز ، ألعابنا تختلف أسمائها من مدينة إلى أخرى وتختلف قوانينها من شارع إلى آخر ولكن الذكرى واحدة لم تتغير ، فكلنا امتلكنا عشق تلك الألعاب.

ومباريات كرة القدم التي دائماً تنتهي بتعب اللاعبين أو دخول صاحب الكرة إلى بيته مقاطعاً أو غاضباً ، لا تهم النتيجة ذات الأرقام الخيالية التي تصل إلى العشرات ، لم يغب عن ذاكرتي ذلك (الولد السمين) صاحب الخدود الحمر فدائماً يكون هو حارس المرمى . حارس الفراغ الذي يقع بين حجرين مرميين على وسط الطريق ، والفريق الواحد يضم نصف أولاد الحارة مهما كان عددهم والنصف الأخر للفريق الثاني وكل لاعب يظن نفسه يلعب لوحده ضد الآخرين. حيث الفريقان يركضون باتجاه واحد خلف الكرة  يلعبون مباراة عابثة شرسة دامية عند جدار بيت ذلك الكهل صاحب القميص الداخلي (الفانيلا) والكرش المنفوخ والشعر المتطاير الخفيف والعينين اللئيمتين هو ذاك الذي يكرهه الصبية جميعهم كونه وضع برقبته ذنب جميع كرات الحارة ومزقها أمام دموع لاعبيها.

نحن جيل أفلام الكرتون تكون نصف ساعة فقط ولنا الحق بمتابعة مسلسل الساعة التاسعة فقط ، وحيث لدينا الصبر لمشاهدة الكابتن ماجد يضرب الكرة إلى المرمى بثلاث حلقات ولدينا الثقة بأن غراندايزر حقيقي ومختبئ في مكان ما. وأننا ياليتنا نصبح ماوكلي ، نحن الجيل الملتف بالشتاء حول المدفأة (الصوبيا) نأكل الخبز المقمر وننشف أيدينا بها بدل المناشف ونخترع أكلات وألعاب بها نترك سريرنا الوثير لننام جنبها لنلتف حولها.

نحن جيل (الصدرية الخاكي والفولار الأصفر والطاقية الكحلي) و(الخرجية اليومية) حق مشروع وثروةٌ، وإدعاء المرض عند الساعة الصباحية حل أمثل لاستكمال النوم وهرباً من برد كانون ، نحن جيل ترديد الشعار بالمدرسة وهو واجب محتًم لا نعرف معناه ولكن نخاف قدسيته ونغني (حماة الديار عليكم سلام) لا نحفظ سوى لحنه و الوقوف له منتظمين برأس مرفوع وصوت مسموع وصدر ممتلئ عظمة وفرحة ، جيل يحترم معلمته كونها المرأة صاحبة العصا ، ويغار من أحدهم كونه الشاطر الناجح ويكره أحدهم كونه (الفساد) ناقل الكلام والأحداث إلى المعلمه  ، جيل يظل يمسح السبورة لألف مرة دامت المعلمة عن الواجب تفتش ، ويستأذن مرتين للخروج من الصف واحدة لشرب الماء والأخرى لقضاء الحاجة ، حيث ليست كافية لشقاوتنا الخروج مرة واحدة.


لقد كنا نعيش للعب والمرح لم نعلم أننا سنُبتلى بآمال عريضة وطموح جامح محارب ، كنا نثق بأن فلسطين الحبيبة راجعة لا محالة وأن العرب أخوة وأن صهيون راحل ، وأن الحكومة دائماً على حق ، وأن القائد المفدى حبيب الملايين ، لم نكن نعلم بأن المصالح إن تكلمت سكتت الأخوة عن حق أخيهم كنا نثق بأن (بيت الضيق بساع ألف صديق) لم نكن لنصدم بأن الأخوة ضيقت الحال والأموال على أخوتها لمّا احتاجت لهم ، صرنا نمجد بالغريب لاستقبالنا ونرضى بذل القريب لإيوائنا ، صرنا نرى بأن الخداع (فلهوة) وأن السرقة (شطارة) وأن الظلم (قوة) ، تغيرت نظرتنا لعمنا الجار وأصبح (يا جاري أنت بحالك وأنا بحالي) أصبح تعاملنا (من أين أنت) لا (ما هي أخلاقك أنت) و(ما تصنع أنت) أصبح حالنا (أنا والغريب على أخي وابن عمي) وليس العكس.


فبؤس لحياتنا ويا حسرة على شبابنا ولترجع طفولتنا ، إني أطالب بعودة طفولتنا وأقر بأني سأظل طفلاً ولن أكبر بعدها.


أحمد عامر المرعي
2014/08/16م
حائل - المملكة العربية السعودية

الثلاثاء، 12 أغسطس 2014

حلم الدراويش

تعودنا في بلادنا على أكل الدراويش . فهنالك أماكن يقصدها الدراويش للأكل وتيسير الحال ومن أهم تلك الأكلات (الفلافل)
*صندويشة الفلافل* قصة عشق لا تنتهي بل وتعدت لتصبح ثقافة عامة وتراث مخلوط بعبق التاريخ بل أنها لم تعد مقصد الدراويش فقط وإنما حنين الأغنياء لأيام (التعترة).
تدخل على المحل تبحث عن عشر ليرات بجيبك وتمسكها جيداً لتقول بكل صوت واثق (صندويشة فلافل معلم) تنطقها تحدد إسمها علماً بأن المحل يكون لبيع الفلافل فقط ولكن تبريراً لقدسية المنتج الذي تشتريه.قدسية رائعة تجعل (الحمصاني) يذوقك (قرص فلافل مغمس بالحمص) ضيافة وتكريماً لك على اختيارك.
وبعدها إذا كان لديك الجرأة الكافية فياحبذا (بكازوزه) (تبلَع فيها) وتجلس على الرصيف المقابل لتنضم إلى جيوش المنقضين على الفلافل ، تأكلها وتحمد الله وتمضي وأنت بكامل الثقة بأن الفلافل (أنضف) من الشاورما و(أنو الشاورما كلها أمراض وما بتنداء).

أما في الغربة

فبعد ذهاب الثقة بأن الشاورما مرض خطير وبعد المقدرة على تذوق جميع أنواع الشاورما فإنك تمل أكلها، فقررت  العودة إلى عبق الماضي وتراث البلاد ذهبت لأكل الفلافل:

 دخلت إلى مطعم وكأنه (أوتيل) تفقدت(المينو) لم أتخيل يوماً أن لساندويش الفلافل - أصبحت إسمها ساندويش- لم أتخيل أن لها عشرون نوعاً تمعنت بالنظر ودققت فإذا العشرين نوعاً يصبوا في طريق واحد ألا  وهو الفلافل.
أخذت ما ألهمني به ربي وما جاءت عيناي عليه ولكن توقفت لحظة إن هذا(المينو)خاطئ.المسميات ليست لهذه الأسعار ’ أصبت بحيرة سأستفسر ولكني تفاجأت بأن (ساندويش الفلافل) أصبحت أغلى من ( الشاورما) ماذا يفعلون هؤلاء ألأنهم عرفوا بأمراض الشاورما وكان الفلافل أفضل للصحة وكما تعودنا كل شيء جميل فهو غالي ، أم أن تاريخنا وتراثنا قد بيع بأغلى الأثمان وهذه (الصندويشة) كذلك.
على حد قولهم فإنهم يبيعونك تراث ولى ، يبيعونك تاريخ بلاد ، يبيعونك مشاعر وحب وعشق للحظات عشتها ولن تعود لعيشها ثانية

أفتح (ااساندويش) وأنا بحيرة وغصة على زمان جميل ذهب كان يشبه الذهب متناسياً رداءة الطعم وفظاظة الوجه الذي (لفها) مرارة اللحظة التي أعيشها لأتذكر  (حمصاني حارتنا) وابتسامته التي تجعل من الفلافل طير شواء يملأ قلبك سعادة ، قصة طفولة واثقة المعاني.

أحمد عامر المرعي
2014/08/12
حائل . المملكة العربية السعودية

كلاكيت



أصبحنا نمشي بحياتنا ب(الكلاكيت)
نخرج من البيوت نضرب كلاكيت فنتوهم بشخصية أخرى
ندخل مكاتبنا نضرب كلاكيت فنقتبس شخصية جديدة
نحاور أصدقاءنا . نناقش مدرائنا . نعشق أحبابنا بضربة كلاكيت
تعلمنا أن كل زمان ومكان يحتاج منا لضربة كلاكيت
حتى وصلنا إلى أننا لم نذكر أول كلاكيت ضُرب بحياتنا
ضاعت الشخصيات . وماتت الفكرة . بضربة كلاكيت أخذت على عاتقنا من زمان ولى


أحمد عامر المرعي
2014/08/12
حائل -المملكة العربية السعودية